أخرج الشيخان في صحيحيهما عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم، حدثوني ما هي؟" فوقع الناس في شجر البوادي، قال عبدالله: فوقع في نفسي أنها النخلة، فأردت أن أقول: هي النخلة، ثم نظرت فإذا أنا أصغر القوم سناً، فسكتُّ، وفي رواية قال: فاستحييت، ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟ قال: "هي النخلة"، قال عبدالله: فذكرت ذلك لعمر، فقال: لأن تكون قلتها أحب إلي من كذا وكذا.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه زاد المعاد (4-397):
وفي هذا الحديث من الفوائد:
1 إلقاء العالم المسائل على أصحابه، وتمرينهم واختبار ما عندهم.
2 وفيه ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من الحياء من أكابرهم، وإجلالهم وإمساكهم عن الكلام بين أيديهم.
3 وفيه فرح الرجل بإصابة ولده، وتوفيقه للصواب.
4 وفيه أنه لا يكره للولد أن يجيب بما يعرف بحضرة أبيه، وإن لم يعرفه الأب، وليس في ذلك إساءة أدب عليه.
5 وفيه ما تضمنه تشبيه المسلم بالنخلة من كثرة خيرها، ودوام ظلها، وطيب ثمرها، ووجوده على الدوام.
وثمرها يؤكل رطباً، ويابساً، وبلحاً ويانعاً، وهو غذاء ودواء وقوت وحلوى، وشراب وفاكهة، وجذوعها للبناء والآلات والأواني، ويتخذ من خوصها الحُصُر والمكاتل والأواني وغير ذلك، ومن ليفها الحبال والحشايا وغيرها.
ثم آخر شيء نواها علف للإبل، ثم جمال ثمرتها ونباتها وحسن هيئتها، وبهجة منظرها، وهي الشجرة التي حن جذعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فارقه شوقاً إلى قربه، وسماع كلامه، وهي التي نزلت تحتها مريم عليها السلام، لما ولدت عيسى عليه السلام.
موسى راشد العازمي
صورة نخلة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله محمدr ، السلام عليك يا أزكى الأزكياء ، السلام عليك يا أصفى الأصفياء ، السلام عليك يا اتقى الأتقياء ، السلام عليك يا سيدي ويا حبيبي يا رسول الله ، وأحمد الله تعالى حمداً يملأ السموات والأرض ، وبعد :
كلما ذكر اسم الحبيب المصطفى r في أحاديثنا ومجالسنا ومواعظنا، تلفحنا نار الشوق الملتهبة ، وتترقرق العيون بالدموع ، وتخشع القلوب والأصوات ،لاسيما ونحن نتحدث عن إمام العارفين ،وخيرة العالمين ومرشد المتقين، مفخرة الإنسانية جمعاء رسول الله r، فإذا ما أردت الكتابة عن الرسول r أو إعداد كلمة عن حياته ومعجزاته فتذكر دائما ًقول الشاعر:
صفاتك ياخير الخلائق تعظمُ * عن المدح مهما بالغ المتكلم ُ
حنين الجذع إلى رسول الله r ،معجزة جميلة و قصة نادرة تحمل في طياتها مقدار عظمة ومكانة رسول الله r ، ليس في قلوب بني الإنسان فحسب ، بل في عالم الجماد الذي أدرك ذلك النور ، ولسان حاله يقول : إن في ذلك النور المحمّدي حياتي و سعادتي ، تلك الحياة التي قد لاندركها ، حيث قال تعالى
وَ َإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً }الإسراء/44 ، وحديث حنين الجذع جاء في دواوين الحديث النبوي بروايات متعددة وألفاظ متقاربة حتى بلغ حد التواتر ،
قال ابن حجر: إن حنين الجذع وانشقاق القمر نُقل كلٌ منهما نقلاً مستفيضاً، يفيد القطع عند من يطَّلع على طرق ذلك من أئمة الحديث
وقال البيهقي: قصة حنين الجذع من الأمور الظاهرة التي حملها الخلف عن السلف , ورواية الأخبار الخاصة فيها كالتكلف.( أي لشهرتها وذيوع أمرها.)
والحديث يقول :
كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع نخلة– أي يُسند ظهره إليه- ، فقال رجل من أصحابه يا رسول الله هل نجعل لك منبراً تقوم عليه يوم الجمعة فتسمع الناس خطبتك ، قال: نعم فصُنع له ثلاث درجات هن اللاتي على المنبر فلما صنع المنبر وقام النبيr إلى ذلك المنبر ليخطب عليه، فمرّ من عند ذلك الجذع الذي كان يخطب عليه ، فسُمع للجذع بكاءٌ كبكاء الطفل الصغير ، حتى سمع ذلك جميع الصحابة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا تعجبون من حنين هذه الخشبة ؟ فأقبل الناس عليها فسمعوا من حنينها حتى كثر بكاؤهم فنزل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتزمه (ضمه واحتضنه ) حتى سكن الجذع ثم قال عليه السلام : والذي نفس محمد بيده لو لم ألتزمه لما زال هكذا حزناً على رسول الله ، وفي رواية قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن هذا بكى لِمَا فقد من الذكر (رواه البخاري والترمذي وهو حديث صحيح، ورواه آخرون )
خشبة تحنّ إلى رسول الله شوقاً إليه، وحزناً على فراقه المرير ،هذا الفراق كان دافعا للبكاء و الحرقة ، ، فإذا كان هذا حال تلك الخشبة فنحن أحق أن نشتاق إلى لقاء رسول اللهr ، وسماع أحاديثه ومواعظه ودروسه .. تلك الخشبة التي احتضنها رسول الله r ثم مسح عليها بيده الشريفة، فسكنت و اطمأنت بعد ذلك الفراق المؤلم ..فراق النبيr ..
والجذعُ حنّ لبعده متضرِّرا * حتّى أتاه فضمّه فتصبَّرا
يقول أنس بن مالك رضي الله عنه : حينما توفي رسول الله r كنا نقول يا رسول الله إنّ جذعاً كنت تخطب عليه قتَركتَه فحنَّ إليك ، كيف حين تركتنا لاتحنّ القلوب إليك ؟
وقال الإمام الشافعي: ما أعطى الله نبيا ما أعطى محمداً ، فقال له عمرو بن سواد : أعطى عيسى إحياء الموتى ، فقال له الشافعي : أعطى محمداً حنين الجذع حتى سمع صوته ، فهذا أكبر من ذلك .
يقول ابن كثير في كتابه البداية والنهاية : وإنما قال – أي الشافعي - : فهذا أكبر منه؛ لأن الجذع ليس محلاً للحياة، ومع هذا حصل له شعور ووجد لما تحوّل عنه إلى المنبر، فأَنَّ وحنَّ حنين العِشار [أي الناقة الحامل]، حتى نزل إليه رسول الله e ، فاحتضنه..
ومضة:
سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه : كيف كان حبّكم لرسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال : كان و الله أحب إلينا من أموالنا و أولادنا و أبائنا و أمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ.